التراث کأحد أشکال تأصيل الهوية في الحرکة التشکيلية المصرية المعاصرة "دراسة تحليلية"

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلفون

1 قسم ادارة المنزل والمؤسسات- کلية الاقتصاد المنزلي-جامعة المنوفية

2 قسم ادارة مؤسسات الاسرة والطفولة - کلية الاقتصاد المنزلي - جامعة الازهر

3 قسم إدارة مؤسسات الأسرة والطفولة - کلية الاقتصاد المنزلي - جامعة الأزهر

المستخلص

        يتناول هذا البحث مفهوم التراث الفنى والأصالة والمعاصرة, وکذلک معرفة رکائز الهوية المصرية ومکونات الهوية الثقافية فى المجتمع المصرى والعوامل المؤثرة فى بناء الهوية المصرية ومدى تأثر الحرکة التشکيلية المصرية المعاصرة بالتراث ,ورصد لأهم المتغيرات المفاهيمية المؤثرة على الفن التشکيلى المصرى المعاصر ومحاولة أستخلاص الرؤية الجمالية للتراث المصرى  المعاصر ومدى أرتباط التراث المصرى بالهوية المصرية , وکيفية الأستلهام من التراث المصرى ومن مفهوم الأصالة والمعاصرة فى الفن التشکيلى المصرى المعاصر وذلک من خلال عرض البحث لمختارات من أعمال بعض الفنانين المصريين المعاصريين.

مقدمة البحث :

"إن تطور الفن یاتى نتیجة تطور ثقافة الانسان ، وتطور فهمه للاشیاء وتذوقه لها ، وتطور آماله ومطالبه الجدیدة ,فأدراک الإنسان منذ أمد بعید ان طاقته لاتکافئ آماله ورغباتة دائما ، ودفعه الى تحقیق تلک الرغبات مستعینا ببعض السلوکیات التى استمدها من معتقداته وتصوراته القدیمة اعتقادا منه فى قدراتها على تحقیق رغباتة وآماله ویعتبر التراث مصدرا من مصادر الرؤیه الفنیة المرتبطة بالجذور الحضاریة ( فهو یمثل الاشکال الجمالیة للثقافات المعبرة عن مدلول حضارى ) کما انه محصلة لمضامین تاریخیة وفکریة وعقائدیة علاوة على تجسیده للمعانى الانسانیة والقیم لیؤکد سیطرة الانسان على بیئته ومواردها . والانتفاع بها والتفاعل معها"([1])

" فالفنون من الادوات التى تستعین بها الحضارات لکى تستمر وتدوم فى وسیله تبین مدى ما وصل الیه المجتمع من تطور فهو یتماشى وینافس ویندمج ویتوالد مع أمم العالم اجمع ، فمنذ القدم ونحن نتبع اثار الحضارات المختلفة واکتسبنا المعلومة عن اسالیب حیاتهم الیومیة ، وعن جمالیات ثقافتهم الفنیة ، وعلى فنونهم التطبیقیه التى تؤکد على النفعیه دائما ، لانها کانت اسلوب حیاه ، فقد کانوا یتبعون سبل الجمال فى فنون نفعیه تساعدهم على رغد الحیاه ، وفى نفس الوقت تزین حیاتهم الخاصة وتحیطهم ، وهى کذلک تسجیل لمجریات الامور الیومیة لدیهم والفنون التشکیلیه ما هى الا احد الروافد لتلک الثقافة المجتمعیه فالفنون التشکیلیه لیست غریبه ومن الطبیعى ان اللوحة تمثل عملیه تواصل بین الفنان والمتلقى فهناک مؤشرات تجذب المتلقى وهى یطلق علیها نقاط ترکیز وفى نفس الوقت نقاط جاذبیه"([2]).

" والصورة الفنیة هى جزء هام من الثقافة العامة المکونة لثقافة المجتمع الذى یؤثر بسماته وخصائصه فى نوع وطبیعة الثقافة المصریة ، ویمدها بمقومات نموها وتطورها ورغم طغیان ثقافة العولمة فان لکل مجتمع خصوصیته وفردیته التى من خلالها یحافظ على عادته وتقالیدة واتجاهاته الدینیة والدنیویة من علوم وتربیه وثقافة، ولا یکتفى ان نقف عند نشر التراث وتحقیقه ثم التغنى به والمباهاة باصالته بل لا بد ان نحلله وندرسة دراسة الفاحص الناقد حتى نکشف عن جواهرة ونستخرج روائعه ونستفید من ایجابیاته وتفادى سلبیاته ولا بد لنا ان نبنى علیه ، ونضیف الیه ونضفى علیه من ارواحنا مما صغته عقولنا ومما عملته ایدینا حتى یعبر عنا ویلبس ثوب عصرنا ، ویتجاوب مع حیاتنا ومع زماننا ومکاننا وحالنا وبهذا نجمع بین الاصاله والمعاصرة فلا نبخس الماضى ولا نجور على الحاضر ، فهل هناک تقییم منصف لهذا الموقف من تراثنا ؟ام یراد منا لکى نکون عصریین ان نهیل التراب على الماضى بکل ما فیه ونبدا من جدید"؟([3])

 "فان الغزو الثقافى الذى تتعرض له المنطقة العربیة والشرق الاوسط لیس جدیدا ، لکنه یاخذ بعدا اخر بارتباطه بالنظام العالمى الجدید وفکرة الاحادیة القیادیة وسیاسة خلق اجیال تنفذ اهدافه ولا شک ان الفکر التقلیدى والذى ینتمى لفکر التاصیل بمنطقة الشرق الاوسط لا یحظى الیوم بقبول لدى منظرى النظام العالمى الجدید لذا بدات افکار کثیرة لایجاد افراد داخل المجتمعات تؤمن بالعولمة کاملة غیر مجزاة تبدا من العولمة السیاسیه والاجتماعیة والتعلیمیة ثم لابد من وضع الدین والعادات والتقالید جانبا او ان نخضعها لاعتبارات النظام الجدید عند اسوا الظروف قد یستخدم لفرض افکار ومبادئ هى فى طبیعتها مناهضة للدین لکنها مقبولة ظاهریا وهکذا تضمن قیادات العولمة اخضاع الشعوب تحت شعارات کثیرة قد یکون الدین جزءا منها وبالتالى فان النهضة الفکریة والغزو الثقافى لهما الاثر الکبیر على الحرکة الفنیة ایجابا وسلبا "([4]).

"والواقع ان قضیة القدیم والجدید والمفاضلة بینهما قضیة شغلت الناس منذ زمن بعید فمن الناس من یتمسک بالقدیم ویعتز به ولا یحید عنه کانه یرى فیه اصولة وجذورة الممتدة ومنهم من یعشق الجدید باى حال ویباهى به ولا یرضى به بدیلا کأنما یرى فیه فرعه وثمارة " ([5])

مشکلة البحث :

        فی ظل الانفتاح الثقافی وکسر الحدود والمفاهیم المرتبطة بالهویة والخصوصیة ومع تلاقی الأفکار حول العالم ,فإن الاعمال الفنیة تعتمد اغلبها على الاتجاهات الفنیة لفنون الغرب والبعد عن الهویة المصریة بالرغم من ثراءها ولم یستفاد من التراث الفنى بالقدر الکافى  من بیئة وتراث الحضارة المصریة المتنوعة  والتی تثری افاق الفنان بما ینعکس علی رؤیة الفنانین المصریین المعاصرین ومن هنا تمثل مشکلة البحث فی التساؤل التالی:

إلى أى مدى تأثرت الحرکة التشکلیة المصریة المعاصرة بالهویة المصریة والتراث المصری؟

اهداف البحث :

1- الکشف عن السمات التی تمیزت بها الحرکة التشکیلیة المصریة فی القرن العشرین.

2- الکشف عن بعض الفنانین المصریین المعاصرین الذین تأثروا بالهویة المصریةوالتراث.

اهمیة البحث :

1-  رصد الاتجاهات الفکریة والثقافیة لدی بعض الفنانین المصریین المعاصرین.

2-  رصد أهم المتغیرات المفاهیمیة المؤثرة علی الفن التشکیلی المصرى المعاصر.

فرض البحث :

یفترض الباحث:

-        إن التراث أحد أشکال تأصیل الهویة المصریة وأن له أثر على الهویة المصریة المعاصرة.

حدود البحث :

1- الحدود الزمانیة :

الکشف عن مدی تأثر الحرکة التشکیلیة المصریة المعاصرة منذ بدایة القرن العشرین بمفهوم الهویة المصریة .

2- الحدود المکانیة:

    رصد لبعض الفنانین المصریین فى الحرکة التشکیلیة المعاصرة.

منهج البحث :

یتبع البحث المنهج الوصفی التحلیلى فیتتبع وتحلیل لاعمال بعض الفنانیین المصریین المعاصریین ومدى تأثرهم بالهویة المصریة.

مصطلحات البحث :

-        التراث الفنى:

       " إستمراریة لأسس ومفاهیم فنیة تعتمد على خبرات متراکمة ومتوازنة ,والتراث الفنى یعنى العودة إلى المفاهیم والقیم الجمالیة والروحیة,التى میزت بدایات الفن الغیر مرتبط بأیدولوجیات محددة ,وهو أیضاً مخزون العطاء الإنسانى الذى لا یتحدد بزمن أنقضى, بل الزمن المستمر من الأول إلى الأخر وهو أیضاً تجارب السلف المنعکسة فى الآثار التى ترکوها فى المتاحف,أو المقابر,أو المخطوطات,وما زال لها تأثیرها حتى العصر الحاضر. وهی الملاحظات الزاخرة التى أدرکها الموهوبون فى الفن عبرالعصور."([6])

-        الهویة:

     "الهویة هی حقیقة الشئ او الشخص المطلقة المشتملة على صفاته الجوهریة وتعرف الهویة ومعناها صفات الإنسان وحقیقته وایضا تستخدم للاشارة الى المعالم والخصائص التى تتمیز بها الشخصیة الفردیة اما اصطلاحاً فتعرف الهویة بانها مجموعة من الممیزات التى یمتلکها الافراد وتساهم فى جعلهم یحققون صفة التفرد عن غیرهم وقد تکون هذه الممیزات مشترکة بین جماعة من الناس سواء ضمن المجتمع,ومن التعریفات الاخرى لمصطلح الهویة انها کل شئ مشترک بین افراد مجموعة محدده او شریحة اجتماعیة تساهم فى بناء محیط عام لدولة ما ویتم التعامل مع اولئک الافراد وفق الهویة الخاصة بهم "(2)

 

الهویة کأحد رکائز الفن المصری المعاصر

        "حرصت الشعوب منذ بدایة البشریة حتى هذا الیوم الى المحافظة على تمیزها وتفردها اجتماعیاً  وقومیاً وثقافیاً ، لذلک اهتمت بأن یکون لها هویة تساعد على الإعلاء من شأن الأفراد فى المجتمعات وساهم وجود الهویة فى زیادة الوعى بالذات الثقافیة والاجتماعیة مما ساهم فى تمیز الشعوب عن بعضهم بعضاً فالهویة جزء لایتجزأ من نشاةوعقیدتهالأفراد منذ ولادتهم حتى رحیلهم عن الحیاة وساهمت وجود فکرة الهویة فى التعبیر عن مجموعة من السمات الخاصة للشخصیات والافراد لأن الهویة تصنف للفرد الخصوصیة والذاتیه کما انها تعتبر الصورة التى تعکس ثقافته ولغته وحضارته وتاریخیة وتساهمایضاً فى بناء جسور من التواصل بین کافة الأفراد سواء داخل مجتمعاتهم او مع المجتمعات المختلفة عنهم اختلافاً جزئیا معتمداً على اختلاف اللغة او الثقافة او الفکر او اختلافاً کلیاً فى کافة المجالات "(1)

وتعتمد الهویة علی مصدرین اساسین هما :

  • ·        - التراث :

المصدر الثابت أو الجوهر الذى یشکل الأفکار الذهنیة التى تقولب الشخصیة النموذجیة التى تنبثق منها الهویة

  • ·        - المجتمع :

  الذى یشکل المصدر الثانى من الهویة الذى یؤثر تاثیراً کبیراً وفق صیرورة المجتمع وشروط تغیره الذاتیة والموضوعیة وان الهویة تمیز الفرد ذاته عن غیره اى تحدید حالته الشخصیة (2)

مکونات الهویة الثقافة فى المجتمع المصرى :

       "تستمد الهویة الثقافیة مقوماتها من عدة عناصر ومتغیرات تاریخیة وثوابت جغرافیة وتراثاً مرکباً قاعدته الراسخة قوة الاعتقاد ووسطیه فى السلوک ولغة عربیة هى بوتقه الانصهار الفکرى والوجدانى لامة عربیة واحدة 1),اذن الهویة الثقافیة العربیة تتکون من عده عناصر مرتبطة ببعضهما ومن ابرز هذه المکونات"

 

  • ·        - اللغة :

         "تعد اللغة المکون الأول فى الهویة الثقافیة فهى حیاة الأمة وبدایتها ونهایتها لان اللغة فى أى مجتمع لیست مجرد کلمات او الفاظ للتفاهم بین افراد المجتمع ، فالعلاقة بین اللغة وبین الهویة الثقافیة علاقة قویة لا تنقسم ولهذا کان من أهم مقاییس رقى الأمم مقدار عنایتها بلغتها تعلیماً ونشراً وتیسیراً لصعوبتها ونظراً للأهمیة القصوى للغة العربیة وکونها عنصراً رئیسیا من عناصر الهویة الثقافیة تعرضت لحملات کثیرة للقضاء علیها بغرض القضاء على الهویة الثقافیة وقد اشار العقاد الى تلک الحملات بقولة  " الحملة على لغتنا الفصحى حملة على کل شئ یعنینا وعلى کل تقلید من التقالید الاجتماعیة والدینیة وعلى اللسان والفکر والضمیر فى ضربة واحده لان زوال اللغة العربیة لا یبقى للعربى المسلم قواماً یمیزه فى سائر الأمم "(1)

  • ·        - الدین :

          "تستمد الهویة الثقافیة العربیة مقوماتها من الدین الاسلامى الذى یدعو إلى الحق ویتخذ من الإنسان موضوعاً لهولایمکن تصور وجود الهویة الثقافیة العربیة إلا بوجود الدین وقد أشار کثیر من مفکرى وفلاسفة الغرب الى أهمیة العنایة بالجانب الدینى قبل أیه جوانب أخرى فمثلا یقول (ولیم جیمس ) الإیمان بالله یجعل للحیاة قیمة یمکننا من أن نستخرج من الحیاة کل ما فیها من لذه وسعادة والذى یجعلنا نتحمل کل ما فى الحیاة من محسن ونتقبلها بکثیر من الشجاعة والرضا الذى یهئ وکل ما هو ضرورة داعمه . (2)

  • ·        - التاریخ :

          لایمکن لایة أمه أن تشعر بوجودها بین الأمم إلا عن طریق تاریخها الذى یمثل أحد قسمات هویتها فالتاریخ هو السجل الثابت لماضى الامة ودیوان مفاخرها وذکریاتها وهو آمالها وأمانیها بل هو الذى یمیز الجماعات البشریة بعضها عن بعض ([7]).

ونحن بحاجة الى نهضة  فکریة وثقافیة لمحاربة الأسالیب الجدیدة التى تعمل على محو ذاکرة التاریخ مثل ما یسمى بمشروع الشرق الاوسط الجدید وما یعینه من محاولات إحداث تغییرات فى الهیکل التنظیمى للمنطقة العربیة الأمر الذى یؤدى الى تقویض امکانیة بناء نظام عربى جدید (2)

العوامل المؤثرة على بناء الهویة :

توجد مجموعة من العوامل التى تؤثر على بناء الهویة عند الافراد ومن أهمها :

  • ·        - المجتمع :

هو اول العوامل المؤثرة على بناء الهویة اذا یساهم المجتمع فى بناء هویة الافراد وتشکیلها بناء على طبیعة البیئة المحیطة بهم ویتاثر الافراد بسلوکیات الاجیال السابقة  لهم سواء فى العائلة او الحى او المجتمع عموماً وتساهم فى بناء الهویة الفردیة الخاصة بهم وساعدتهم على فهمهما بطریقة اوضح .

  • ·         - الانتماء :

هو الارتباط بالمکان الذى یعتمد على دور الهویة فى تعزیز مفهومه إذ ینتمى الفرد للدولة التى یعیش فیها ویعتبر مواطنا من مواطنیها وله حقوق وعلیه واجب تنظمها أحکام الدستور .

التراث والهویة المصریة فى أعمال الفنانین المصریین المعاصریین

وتستعرض الباحثة ثلاثة من الفنانین المصریین کرواد للحرکة الفنیة التشکیلیة المعاصرة وهم حامد ندا,عبد الهادى الجزار,جاذبیة سرى.

1-             الفنان حامد ندا (1924-1990)

          ولد فى حی الخلیفة بالقاهرة وکان من انشط اعضاء جماعة الفن المعاصر فاثارت اعماله اهتماما خاصا لدى راغبى دراسة حرکة التصویر المصرى الحدیث ,فقد کانت أعمال ندا تتمیز بتفرد خاص حیث أجتمع لدیة عمق الرؤیة وثراء الخیال والأرتباط بالتعبیر  فکان یصور عوالم أسطوریة یاخذ مفرداتة من سلوک الشعبیین أثناء أداء طقوس الزار والشعوزه ومن خلال الدراویش والمجانین والحکایات الخرافیة التى تمثل الغیبیات وقد أهتم ندا بعنصر الدراما الإنسانیة من خلال مجموعة العناصر والرموز الشعبیة من خلال هذا العالم الغریب الملئ بالخرافة والذهول والمأساة الإنسانیة "([8])

          وندا أحد أهم أعضاء جماعة الفن المعاصر أثرى الفن بأبدعاتة وتمیزه الفنى فى أعمالة على الهویة القومیة الطابع فى مجال التصویر فمازالت بصماتة وأثارة واضحة. ومن الفنانین الذین کان لهم عظیم ألاثر فى تعمیق النظرة الأصیلة للفن الشعبى داخل الاطار التشکیلى . فقد نشأ ونمى وترعرع فى الأحیاء الشعبیة وبدأ دراساته فى تسجیل  مناظرها وموضوعاتها, وجال جولات فى أجوائها وساهم فى تطویرها وتعمیقها إلى أن أظفر بأسلوبة الناضج المعاصر.

و إنه فى نطاق المدرسة التعبیریة التى تمیل إلى التجرید, أعتمد على الرمزیة التى یجدها من خلال التنقیب فى التراث لیستخلص الکثیر من هذه الرموز التى تساعده على صیاغة  أعمالة الفنیة فى عالم من السحر والغموض. و فى محاولاتة للاستلهام من التراث لایصل فقط إلى مستوى الطبقة القریبة من الفن الشعبى, بل لیصل فى محاولاته إلى مختلف العصور, ویبحث فى القیم والرموز الفرعونیة ذات المدلول العام کمنبع من منابع الإلهام منذ بدء الحضارة المصریة القدیمة لتطویرها طوعاَ لتشکیلاته التجریدیة إلى أن وصل أخیراَ إلى الحدیث المتطور, فأفسح المجال للمؤثرات الخارجیة التى أتت من دائرة اوسع دائرة القارة بأکملها, القارة الافریقیة بما تتضمنه من طقوس بدائیة قدیمة  (2)

        وفى بدایاتة اتسمت فنونة بدرجة کبیرة من الخشونة والغلظة فالأحجام و نسب الأجسام وأحجام الإیدى والأرجل, وحتى بدت کالتماثیل المنحوتة, جالسة على مقاعد من الأغصان محشوة بالقش تعکس البؤس وغیاب الوعى والإستسلام, محاطة بعالم سحرى محمل برموز کالوشم, لسحالى وکفوف وحدوات وطیور وأسماک وقطط ومصابیح کیروسین وأزیاء وتتسم هذه الرسوم بالبدائیة الساذجة التى تتناسب مع مضامینها ورموزها الخرافیة, ومن أعمال هذه المرحلة لوحة "حیاة شعبیة "شکل (1) و تصور حالة الإنسان المتردیة فى فترة الاربعینیات وما یحمله عقله من تخلف وجهل بالعقیدة الدینیة وخلل فى الفکر والثقافة أدى ألى عدم توازن العلاقات بینه وبین نفسه.

        وتداخل الأفکار العلمیة الصحیحة مع موضوعات السحر والشعوذة التى تسللت إلى ثقافة الإنسان الساذج فأفقدته بصیرته وألقت به فى عالم غامض یتسم بالکسل والخمول الذى یسیطر على عقول العاطلین والجهلاء أبدعه الفنان من خلال ألوانة الزاهیة متناسقة و یبالغ فى الصور والزخارف الشعبیة والأسلامیة لیبین إختفاء القیمة الحقیقیة خلف مظاهر براقة ویعبر عن حالة الإنسان المثقل بالمتاعب والاّلام ویصارعة الجهل والفقر المادى والمعنوى فى رؤیة تثیر القلق حیث یبالغ الفنان فى رفضه لهذه الحالة الإنسانیة وللمجتمع المتخلف بأسلوب یجمع بین تسطیح الشخصیات من خلال بعدین أو تجسیمهما فى ثلاث أبعاد وزخارف جذابة توضح تباین المعنى والإصرار على الرفض لصورة العلاقة بین الإنسان الجاهل والمجتمع المزخرف بزخارف خارجیة لا تعبر عن واقع الإنسان المقهور لأنها لا ترى فیه جوهراَ وإنما یعینها منه فقط المظهر الخارجى, کما أن هذه الحالة التى تخیرها لنفسه لا تسعى لرقیة وتثقیفیه بحق وإنما تخلص فى تدمیره والقضاء على وجوده الأنسانى.(1)

 

شکل(1)

(لوحة حیاة شعبیة – رسم بالوان باستیل وحبر صینی علی ورق- 37×55سم- 1948)

(من مقتنیات متحف الفن الحدیث)

           کما أن الفنان حامد ندا لا یؤمن بالتجرید المطلق ککیان مستقل, بل التشخیص للموضوع وبث الرمز لیوضح المضمون الذى یرمز إلیه,و دراسته للأشیاء هى دراسة انطباعیة وعلمیة تصاغ فى قالب تجریدى, یعطى بأبسط صورة مضموناَ عریضاَ للمفهوم,ومصادر الفن الشعبى لدیه عدیدة ومتشعبة, ینهل من الحیاة الیومیة للأسرة الشعبیة, ویشرک الأدوات والأشیاء التى یستعملها فى تعبیراتة ویبسطها کلغة خاصة ینفرد بها ویحرص على الأستفادة من الإیهام الذى یظلل العلاقات الأسریة لیفسح المجال لإبداء وجهة نظره الخاصة لعناصر شعبیة بزخارفها البسیطة وهذه العناصر الشعبیة تعد امتداداَ لما أفاد به من قبل من الرموز المرسومة على الجدران والحوائط الریفیة والتى لها مدلول السحر والتعاویذ"(1)

         وککل الفنانین فى مصر أستشعر الفنان حامد ندا ألم الهزیمة بعد عام 1967م فصور أعمالاَ تعبر عن الریف فى مصر مصوراَ إیاه بألوان باهته فظهرت الألوان الرمادیة تحمل أنین الهزیمة وصمتها المکتوم وسکونها الحزین وظلت شخصیاته تتأرجح بین البعدین وصور الفنان فى الحقل کنوع من الکفاح السلمى المدفوع بالامل نحو تحقیق النصر وقد تمیزت رسوم نساؤه بعدم تماثل النسب الأنسانیة مع الواقع وظهرت وکأنها تعبر عن رؤیة الفنان للمراّة, وإهتمامة بالشکل الحسى والبحث عن أهمیة العلاقة بین مسطح الفراغ فى اللوحة وبین شکل العناصر الأنثویة التى لا تزال تحمل بعض ثقافات الماضى والتى تمثلها أشکال الحیوانات التى سبق وصورها فى الماضى والتى ترتبط بمفاهیم شعبیة لدى الفنان شکل (2).(1)

 
   

 

 

 

 

 

 

 

 

شکل(2)

(لوحة الحصان الأزرق- زیت علی توال -64×98سم-1958)

2-             الفنان عبد الهادی الجزار(1925 -1966):

            الفنان عبد الهادى الجزار من موالید الاسکندریة عام 1925 ,و قد وجد فى الحیاة الشعبیة قوة خاصة لألهامه وخاصة من خلال تطرقة لموضوعات السحر والشعوذة والحیاة الشعبیة والأساطیر وقد تمکن الفنان من الاندماج فى حیاة البسطاء والفقراء والاندماج فى عادتهم وتقالیدهم ومعتقداتهم الشعبیة المتمثلة فى عالم السحر والشعوذة واکتشافة رموز ودلالات خاصة بهذه الشریحة النابضة بالحیاة والفطرة ولقد انکبت اهتمامات الفنان على عالم السحر والاساطیر والاحلام والشعوذة والرموز التراثیة والشعبیة التى توحى بثقافة المجتمع والبیئة التى عاش فیها واستطاع بفنة عن إحساساتة الداخلیة الدفینة ورؤیتة المتمیزة وإثرائها بالمعانى والأفکار ,و فى أعمال الفنان الرمزیة فى تصویر عالم السحر والخیال وإلى المتافیزیقا فى تصویر الأساطیر, وإلى السیریالیة فى تصویر الشعوذة والالغاز ویربطهم جمیعاَ بطابعه الممیز فى التصویر العام للوحة,کما تظهر فى أعمال الجزار مدى تأثرة بالطابع الشعبى و إنه استوحى موضوعاتة من العادات الشعبیة التراثیة الأصلیة فى تحضیر الأرواح واستلهم نماذج من وحدات الفن الشعبى من الانماط والرسوم المصفوفة على الأمشق لإستعمالها فى الوشم کلوحة المجنون الاخضر(1)شکل (3)

 

 شکل (3)

(لوحة المجنون الاخضر)

       ومن الطبیعى آن یتأثر الفنان عبد الهادى الجزار بما یحدث حوله من تخلف وشعوذة, فقد کان الجزار فناناَ مهموماَ بحیاة مجتمعة وبلدة, وصاحب موقف فکرى یدافع عنه لایبتغى من ورائة کسباَ أو منفعة, بل قد یضعة فى مواجهة عدائیة مع النظام السیاسى, وهذا هو ما حدث له عام 1948م حین أقیم معرض له مع زملائة الفنانین الشبان من جماعة الفن المعاصر التى تکونت بجهودهم الذاتیة, وعرض الجزار لوحة تحت عنوان "الکورس الشعبى" شکل ( 4 ) وصور بها صفاَ من أبناء شعبة یقفون کأنهم فى معسکر إعتقال وأمام کل منهم على الأرض طبق فارغ فى أنتظار أن یمر أحد لیملأه له بالطعام, عراة ومهلهلى الثیاب ومجاذیب وکأنه یقول من لوحته "رعایاک یا مولاى" وبالرغم من أن اللوحة کانت صغیرة الحجم إلا أنها أثارت السلطات وأغلقت المعرض وإقتید الفنان إلى السجن وکان هذا الاعتقال بمثابة منبه لشعورة بمسئولیة قومیة فى التعبیر عن الطبقات المطحونة وأهوال ومساخر حیاتهم الیومیة, وقد کان الفنان عبد الهادى الجزار مشحوناَ بالعواطف الدرامیة والتصورات الأخلاقیة ذات الطابع الفلسفى(1)

 

شکل ( 4 )

لوحة"الکورس الشعبی"1948

      فأبدع الفنان عبد الهادى الجزار لوحة فرح زلیخة شکل(5) برؤیا تعبیریة صادمة لتلک الفتاة ذات الجسد النحیل وترفع یدها الیسرى ویدها الیمین تمسک بوردة حمراء ذات ورقة خضراء واحدة تدخلها فى انیة طویلة وترتدى طرحة الفرح الزرقاء وتمسک بفستانها طفلة صغیرة لها ملامح الکبار فى حالة من الیأس والحزن ویقف أمامهم بالمواجهة قط أبیض إنه عالم سیریالى بأسلوب تعبیرىعن درامیة الحفل المجهول وقد ربطت رأس العروس بغطاء أحمر مثل الدراویش فى حالة من الحزن والأسى وفى الخلفیة الجداریة وجوه مبتسمة فى بلاهة واضحة من خلال زخارف شرقیة وتلقى العروس زلیخة بظلها الداکن ومعها الطفلة فى حالة من الأسى لفرح درامى له عدة تساؤلات مفتوحة إنه عالم عبد الهادى الجزار الغامض الدرامى المتحرر من قیود الشکل إنه فرح مفترض ترویحى سعید ولکنه یبعث برسائل مفتوحة من عالم الجزار القلق المفعم بالأسطورة الشعبیة الباحثة عن الدراما داخل الموروث الشعبى المصرى بلغة تشکیلیة تعبیریة.

 

شکل (5)

(لوحة فرح زلیخة-زیت علی کرتون-1948)

 

وظل الفنان یغوص داخل الثقافة الشعبیة التى فک رموزها وصور قیمها , لیرتقى الفنان عبد الهادى الجزار إلى حقیقة جوهریة هى حقیقة الهویةوالمجتمع و فی طریق عبد الهادى الجزار إلى العالمیة إنما هذا الالتصاق بالمحلیة الى مکانة من بلوغ الضالة المنشودة و تأسیس تصویر وطنى وقد ظل الفنان متابعاً  ومترقباَ لأحداث مجتمعة منذ اللحظة الاولى ناقداً حذراَفى تحلیل ما شابه من مواطن الضعف والقوة ونقاط الإیجابیة والسلبیة, ولم یکبل یدیة ویقف متفلجاً وإنما کانت اعمالة دائماَ مبعث للرغبة على رفض هذا الواقع المریر من جهل وتخلف قبل الثورة مما یدل على قدرتة فى التعبیر عن مظاهر السلبیة بلا خوف أو تردد لا بالنقد الساخر من أهلة ومحلیتة وإنما النقد الجاد المثمر المعلن ثورتة على الجهل والتخلف بهدف التغییر والبناء لمجتمع أفضل, لذا لم تکن أعماله الأخیرة المعروفة بإسم الفضاء إلاثمرة قراءتة وثقافاتة وترقبة الیقظ للتغییرات التى تطرأ على مجتمعة بعدقیام ثورة 1952,إذا فهو فنان یعى أحوال بلاده فى کل وقت وفى کل لحظة وهذا الوعى هو الذى یحدد إبداعات عبد الهادى الجزار .(1)

 

3-              الفنانة جاذبیة سرى (1925).

       الفنانة جاذبیة سرى من موالید القاهرة 1925, فنانة صادقة تمیزت بالحساسیة المرهفة فکانت کالنافذة المفتوحة على الاحاسیس الانسانیة المصریة. فقد أستطاعت الانتقال من التشخیصیة الزخرفیة و ما أنتشر قبل ذلک من مداعبات للتأثیریة نحو الواقعیة التعبیریة الممتدة الجذور فى مصر مبلورة لنفسها أسلوباً خاصاً مواکباً لمستحدثات العصر الفنیة التشکیلیة محققة بذلک لنفسها, وداخل إطار حرکة من التصویر ذات الحس والروح المصریة دوراً حیویاً هاماً بجوار تفردها فى الشکل والمحتوى بشکل عام وتتمیز أعمال الفنانة جاذبیة سرى بالأصالة المستمدة جذورها من التراث المصرى ومن ملامح مجتمعهاوتعبر أعمال الفنانة جاذبیة سرى مرآة تعکس الحیاة الشعبیة ومبانیها وملامحها وملامح ووجوة شعبها الممیز فقد غاصت الفنانة جاذبیة سرى فى أدق التفاصیل الأسریة والعلاقة بین الأم وابنهاوالبنت ودمیتها الشعبیة, والحیاة الیومیة وتفاصیلها ولکن بصیاغة تعبیریة مفعمة بالحیویة التى ظهرت فى ألوانها وزخارفها فلم تترک شیئاً تقع علیة عینها إلا وصورته بأسلوبها الممیز وتکویناتها الهندسیة کما فی لوحة الفلاحة والغلام الشکل (6).(1)

 

شکل(6)

(الفلاحة والغلام- زیت علی توال- 150×100سم-1979)

         کما استطاعت الفنانة جاذبیة سری أن تعکس رؤیة متطورة تبحث فى علاقة الفن بالواقع غیر أبعادها الاجتماعیة والقومیة وتقوم بترجمتها بصیغة تعبیریة حدیثة تستفید من الفنون الشعبیة بفلسفتها وجمالیتها فظهر إنتاجها متمیزاً ومتسماً بسمات خارجیة فیأتى العمل الفنى بعنوان "المراجیح" شکل ( 7 ) برؤیا فطریة تتناول عالم الطفولة الثرى فى تداخل رومانسى راصدة هذا العالم من خلال وجدان طفولى یتأرجح مع أرتفاع وأنخفاض تلک المراجیح البدائیة برؤیا تکوینیة متداخلة مع شدادات المرجیحة الحدیدیة ومتداخلة مع الارضیة الخشبیة لقاعدة المرجیحة الشعبیة ففى المقدمة الطفلة الکبیرة نسبیاً لوحدها وباقى سلات المرجیح المعلقة بها صحبة من الأطفال فى ثنائیات مرحة فى تداخل بین الالوان الزرقاء الفاتحة والخضراء المتداخلة مع الاخضر فهل هؤلاء الاطفال فى قوارب داخل إحدى الترع الریفیة أم هم فى حالة طیران فى فراغ الشارع الشعبى حیث یبدو فى الأفق البعید بقایا بیوت متواضعة ترصد جاذبیىة سرى هذا العالم برؤیا رومانسیة بحس تعبیرى لتقالید فرح ولهو الأطفال فى منتصف الخمسینات بلغة تشکیلیة بها من البراءة والفطریة أکثر من الحس التسجیلى الذى تدرکه فى هذا العمل فقد تحررت جاذبیة سرى شیئاً فشیئاً من الصیاغات التشکیلیة التى تعترف بها المدرسة الاوروبیة وقد نزعت الفنانة إلى تجدید رؤیتنا للتراث المصرى القدیم إذ وفقت بینة وبین أبحاثها فى مجال اللون وإن هذه الأبحاث تستلهم تراثاً قومیاً فالعمل الفنى یرصد برؤیا إجتماعیة عالم الطفولة ببعد جمالى ولغة تشکیلیة. "(1)

 

شکل (7)

(المراجیح- زیت علی توال- 115×82سم- 1956)

 

 

4-             الفنان سعید الصدر1986:1909      

       إن الفنان سعید الصدر أول من نادى بضرورة إستلهام التراث وهو داعیة إلى أحیاء فن مصرى أصیل حیث أدرک بحاسة الفنان الواعى أهمیة إیجاد هذا التواصل التاریخى مؤکداً على المحور الأساسى فى الخزف الإسلامى لتحقیق الوصل بین الحضارتین القدیمة والحدیثة, والرؤیة التى طرأت على مجریات الفن فى القرن العشرین, إیماناً منه بأنه لابد من وجود رکیزة فنیة وعلمیة وتاریخیة للانطلاق من هذه القاعدة إلى آفاق أکبر وأرحب, ألى جانب الاعتماد على قدراتة الفنیة والابتکاریة التى حققت شخصیتة المتمیزة والمنفردة فى أعمالة والتى بالرغم من التصاقها بمفهوم وشخصیة الخزف الإسلامى, إلا أنها ذابت مع شخصیتة وأدائه التقنى المعاصر.

       وتؤکد أوانى الصدر تأثرة بالآنیة الإسلامیة و فسطح الإناء عندة کاللوحة عند المصور باحثاً فی أسرار أسالیب هذا الفن, مبیناً کیف عبر الفنان الخزاف المسلم عن التصوف والارتقاء عن مادیة المادة, وکیف حول الطین إلى ما یشبه الذهب والفضة والنحاس والبریق المعدنى فجمع فى أعمالة بین الخامة وجمال الکتلة وبراعة ودقة لمساتة بالفرشاة فى وحدة متکاملة, تتم عن أصالة معاصرة یجمع فیها الفنان بین العلم والفن من خلال التقنیة والإحساس و التجریب.(1)

       فأستلهم الفنان سعید الصدر موضوعاتة وأسالیبة الفنیة من التراث الشعبى ومن الحیاة الاجتماعیة للطبقات  البسیطة حیث حدد سعید الصدر فى مجال رؤیتة الخط التاریخى الذى صنعه الأجداد على الأخص فى فهم الخزف الاسلامى والشرقى بشکل عام أو ما صنعه , وأنتجة الفنان المسلم فى بقاع الأراضى الإسلامیة من قیم هذا الفن الذى أضاف سعید الصدر إلیة تکاملاً فى الرؤیة الفنیة والاحتیاجیة وصار التلاحم بین الوظیفة والشکل تکاملاً لانزاع فیه وإذا کان تمثال نهضة مصر أول تمثال أقیم فى مصر بعد عصر الفراعنة فأوانى الصدر الذى أبدعها فى مدرسة الفنون الجمیلة هى أول خزف فنى بعد بضعة قرون مضت وبینما وعى سعید الصدر إبداعات الفنان المصرى فى فن الخزف فى العصور المصریة القدیمة , وتأمل أعمال الفنان المسلم التى ذاعت شهرتها فى أنحاء العالم وأحتلت مکانة عالیة رفیعة وتمیز فن الخزف الإسلامى عبر التاریخ ,ولقد خاض الفنان سعید الصدر سلسلة من التجارب والابحاث فى مجال صناعة البریق المعدنى المصرى للخزف مستخدماً الطینة المصریة التى حققت نتائج هائلة فى هذا المجال ویعد الفنان سعید الصدر رائداً فى هذا المجال فهو أول من تعلم فن السیرامیک فى أنجلترا ثم عاد إلى مصر وکان یستعمل الفنان فى أعمالة طرق التشکیل الیدوى فى عمل الأوانى الفخاریة کما صب قالب من الجبس فى تشکیل الطین المطاطیة وتجریدیاتة وأنتج مجموعة من الاوانى ذات البریق المعدنى بعضها فضى اللون والاخر نحاسى اللون, ولقد تأثر الفنان بالألوان المائیة التى أحبها فى شبابة والتى أوحت له بعدد من العلاقات بین عناصر الطبیعة والاوانى.

 

 

 ( قطیع الحمیر-26سم- 1949)

(من مقتنیات متحف محمد محمود خلیل )

 

(فاز من البریق المعدنی من الخزف- متحف الخزف الاسلامی)

        ففى عملة الفنى قطیع الحمیر الذى نفذة بالطین المحروق صور الفنان صورة لقطیع من الحمیر وهم یسیرون عائدین من السوق فى الطریق إلى بلادهم محدداً وضع یتلاءم مع رقة حسة فصورهم أثناء المشى وکأنهم یسیرون فى إیقاع نغمى واحد یحملون فوق ظهورهم حاجیات الرجل والمرأة الذى یبدو من زیهم أنهم من البدو بعد عودتهم من السوق وقد أهتم سعید الصدر بتزیین القطیع بزخارف عربیة على طریقة الفن الشعبى کما نفذ هذا الاسلوب فى زخرفة المرآة البدویة مستلهماً أسلوب الفن المصرى القدیم فى ملئ الفراغات وزخرفتها وأتبع أسلوب الفن الأسلامى فى تکرار العمل بدون الوان أضافیة لیبقى على طبیعتة البسیطة النقیة حیث أدخل الطینة المصریة فى الفرن وترکها لتصبح فخاراً تحمل نفس لون الأرض کرمز لأصالة الفن المصرى.

     ولقد أنفرد الفنان سعید الصدر بالکشف عن تراث الخزف الفرعونى والاسلامى ثم أضاف المزید , وهکذا طبعت أوانیة بأشکال أحجامها من خزف البدارى, وبتصاویرها وزخارفها التى استوحاها من الخزف الاسلامى, وأضفى إلیها لمسات مستمدة من تراث هذا الشعب ووجدانة.(1)

      تحقق النجاح لتجاربة حیث طلى الارضیة باللون البرتقالى ثم صور علیها أشکال أدمیة غیر محددة الملامح کما فى الفن الإسلامى باللون الاصفر الفاتح مستوحیاً إحدى سماته فى تشکیل العمل ککل, حیث حرص الفنان على توظیف عدد من التقنیات التى تجذب الانتباة لجمالیات الفن الاسلامى .

وتعلم الصدر الکثیر من کل من ضرب بفرشاتة على آنیة إسلامیة حتى عصر الذروة عصر الممالیک, ویخص بالذکر التأثیرات العمیقة التى ترکت بصماتها,فى تاریخ الخزف الاسلامى من زخارف وتشکیلات مناسبة  قد أثرت فى الفنان سعید الصدر تأثیراً عمیقاً ضارباً لجذورة الإرثیة التى ینتمى إلیها, وأصبحت جزاءاً من ترکیب شخصیتة البنائیة, فالإناء عند سعید الصدر یعبر ویتکلم من خلال تشکیلة الفنى, بالإضافى إلى المستوى الرفیع من التقنیة الفنیة العالیة وبخاصة فى أعمالة الرائعة الخزف المعدنى فقد حقق بهذة الاعمال الوصل التاریخى بالذى غاب فترة زمنیة طویلة.ویکمن إبداع سعید الصدر فیما یمتلکة من إرث فنى عریق ودراسة تاریخیة وعلمیة واعیة حیث قام بعمل بعض التجدیدات فى التشکیل فصور رسومة الملونة فوق خلفیة سوداء بدلا من تلک الخلفیة التقلیدیة البیضاء کما أنتج عدد من القدور أطلق علیها(rocco vessels) یبعث ملمسها الخارجى إیحاءاً بشکل الصخور وهى مطلیة باللون الاسود اللامع, وتعتمد على حساب الزمن بالدقائق وتتطلب ضبط درجة حرارة متقنة لکل مادة فى ضوء توصیف اللون المعدنى للسیرامیک تبین براعة الفنان التقنیة.(2)

إلى جانب أعمال الفنان الخزفیة صور سعید الصدر عدد من الاعمال الزیتیة تبین مدى براعة الفنان فى بناء عملة سواء خزفى أو عمل زیتى تصویرى وکیفیة تکوین العمل الفنى ومدى تأثرة بالفنون المصریة منذ عصور الاسرات الأولى ومروراً بالفن القبطى والاسلامى.

     "ومع الهوة الخطیرة التى عانتها مصر والعالم العربى فى فقدان شخصیتها ومفهوم إرثها الحضارى الذى طمس خلال الغزوات الاستعماریة المتتالیة على الوطن أدرک الصدر بحاسة الفنان الواعى أهمیة إیجاد الوصل التاریخى, مؤکداً على المحور الأساسى فى الخزف الاسلامى لتحقیق الوصل بین الحضارة القدیمة والحدیثة,وفى مفهوم إدراکات سعید الصدر کفنان مبدع للنظرة الإرثیة التى تستطیع أن تحقق هدفاً من ألاهداف القومیة والحق فلم یکن للفنان حسابات آخرى تستطیع إیقافة وسط هذا الزحف من الغرب بألافکار والمتغیرات الجدیدة التى طرأت على الحرکة الفنیة بشکل عام. "(1)

 

  1. 1. حمد ابراهیم عید : الهویة الثقافیة العربیة فى عالم متغیر مجلة الطفولة والتنمیة مجلد 1 ، 2000

    2. عباس محمود العقاد : دراسات فى المذاهب الأدبیة والاجتماعیة ، بیروت ، منشورات المکتبه العصریة .

    3. السید عبدالعزیز البهواشى : دور التربیة الاسلامیة فى تنمیة الشخصیة القومیة المصریة لمواجهة مخاطر اللانظام العالمى اللاجدید، القاهرة ، دار الفکر العربى،2000.

    4. صالح رضا: ملامح وقضایا ملامح وقضایا, الهیئة المصریة العامة للکتاب.

    5. مختار العطارر:ساحر ألاوانى, سعید الصدر, مؤسسة روز الیوسف, القاهرة, 1979.

    6. مکرم حنین: رواد الفن التشکیلى فى مصر ,مجلة تصدر عن مجموعة شرکات شیل بمصر,العدد الثالث یونیة1996

    7. مصطفى الرزاز: فنانون مصریون, أفاق الفن التشکیلى, الهیئة العامة لقصور الثقافة , القاهرة,2003,ص99.

    8. مشیل نعومة:الرجوع إلى زمن المولد, کتالوج أعمال الفنان عبد الهادى الجزار, القاهرة, 1990.

    الرسائل العلمیة:

    1. اسماء الدسوقى : تحدیات الغزو الفکرى بین التراث والتعددیه الثقافیه فى الشرق الاوسط واثرة على الهویة الفنیة المصریة ، المؤتمر الدولى السادس لکلیه التربیة الفنیة بعنوان تعمیم الفنون ومتطلبات التغییر ، کلیه الفنون الجمیلة ، جامعة حلوان ، 2016 .
    2. لطیفة فایز : اثر الاتجاهات الفنیة الحدیثة على هویة الفن التشکیلى فى دار الکویت ، رساله ماجیستیر غیر منشورة ، کلیة التربیة الفنیة ، جامعه حلوان ، 2013.
    3. محمد محمود ناصر :الاستفادة من التراث العربى القدیم فى تاکید الهویة العربیة للتصویر المعاصر، رساله دکتوراه ,غیر منشورة کلیة التربیة النوعیة ,جامعة عین شمس،2012.
    4. محمد محمود ناصر :مداخل تشکیلیة للإفادة من التراث العربى القدیم فى تأکید الهویة العربیة للتصویر المعاصر ,رسالة دکتوراة غیر منشورة, جامعة عین شمش,کلیة التربیة الفنیة,2012.
    5. منى العجرى : الصیغ التشکیلیه للتمائم والاحجیجه المعدنیة والافادة منها فى عمل مشغولات معدنیة مبتکرة ، رسالة ماجیستیر غیر منشورة ، کلیة التربیه الفنیة ، جامعه حلوان ، القاهرة ، 1999 .
    6. نشوى فاروق عبد الحلیم: تقنیات الخزف المصرى قدیماً وحدیثاً وأثرها على الخزف المعاصر, رسالة ماجستیر غیر منشورة,کلیة التربیة الفنیة,جامعة  حلوان,2003.
    7. شیماء مصطفى محمود :الجمالیات التشکیلیة فى موضوعات الترویح دراسة تحلیلیة لأعمال بعض الفنانین التشکیلیین المصریین,رسالة دکتوراه غیر منشورة,أکادیمیة الفنون2013.
    8. ضحى احمد منیر:الفن المصرى الحدیث مدارسة وأسالیبه بین الهویة المحلیة والاتجاهات الغربیة,رسالة دکتوراه کلیة الفنون الجمیلة ,جامعة حلوان,2007.
    9. عبد الرحمن عمر الماحى : العولمة والهویة الثقافیة للمسلم المؤتمر التاسع عشر للمجلس الاعلى لشئون الاسلامیة فى الفترة 27- 30 مارس ، 2007 .
    10. حمدى حسن عبدالحمید : دور التربیة فى مواجهة تداعیات العولمة على الهویة الثقافیة ، مجلة دراسات فى التعلیم الجامعى ، اکتوبر 2004 ، القاهرة ، مرکو التطویر الجامعى ، عین شمس2006.

     

    مواقع الکترونیة

    • محمد جماعة : الهویة المتعددة الابعاد ، 2012 http : //mawdoo.com
    • محمد ابو خلیف : تعریف الهویة ، 2016 http : //mawdoo.com
    • ابراهیم الجبرى : اعادة انتاج الهویة العراقیة ، مجلة الثقافة ، العدد 317 ، 2006 ، w.ahewar.org